وصفة القتل : الجزء الثاني

بعد انتهاء اجتماع ممثلي الفصول الشهري , شاهدت ممثلة صفي تغادر مسرعة في عجلة من امرها , في حين تنزهت عائدا الي الصف.


بمجرد وصولي الي قاعة الصف الفارغة , بدأت بتهيئة نفسي للمغادرة , حيث انني لم اكن مشتركا في اي نادي مدرسي , لذلك لم يكن هناك داع لبقائي لوقت أطول , فما تبقي الان هو العودة الي المنزل و الاستعداد للذهاب الي عملي ذا الدوام الجزئي.


عندما قمت من علي المقعد لاحظت وجود مذكرة مدرسية ملقاة علي الارض و بمجرد رؤيتي لما هو مكتوب علي الصفحة الامامية ادركت فورا اسم صاحبها  , فقد كان هناك اسم شخص واحد و هي  "يوكو تسوكيموري"


لانظر حولي باحثا عنها , لكنها لم تكن تري في اي مكان , لذا قررت وضعها علي منضدتها.



فقط عندما كنت علي وشك القيام بذلك , لاحظت قصاصة ورق بادية من المذكرة , فاذ بي امسكها ظانا انها قد تكون قمامة

"الان هذا امر غير متوقع ......" قلتها عفويا دون ان ادرك


 لتتضح أنها ورقة تقارير من النوع (آيه 4) مطوية , لكن عنوان هذه القصاصة لم يكن مطابقا لشخصية تسوكيموري التي يتحدث عنها الجميع او تخيلي لها


بعد تأكدي من انه لا يوجد احد يشاهدني , قمت بوضع الورقة في حقيبتي بسرعة , لقد فعلت ذلك ظانا ان لقراءة نص الورقة سيلزمني وقتا طويلا , حيث كان النص مكتوبا باحرف صغيرة , و بطريقة مهملة.


يمكنك القول بأنني قد فشلت امام اغراء معرفة ما بتلك الورقة


لا و ففي تلك اللحظة لم اشعر باي شعور عدي الفضول و الفضول فحسب


لم احمل يوما ضغينة ضد النبيذ , و لأتكلم بصراحة لن استطيع ان احكم علي النبيذ يوما بدون احتساء رشفة واحدة علي الاقل , ان جل ما بالامر هو تفوق تعلقي بمذاق الشراب المألوف علي حذري من الشراب الاخر.


باختصار , لقد كنت مهتما بالنبيذ الذي اثني الجميع عليه بدرجة كبيرة



"حسنا , أتساءل حقا ما نوع ذاك السر التي نوت محبوبتنا اخفائه؟"


لأغادر الصف كما افعل دائما


لقد كانت قرابة العاشرة مساءا حين عدت الي منزلي من عملي بالمقهي.



لقد نسيت تماما كل ما يتعلق بالورقة التي تلهفت كثيرا لقراءتها  , لكن بسبب زحام العمل , دفع أمر تلك الورقة الي الركن البعيد من تفكيري


احب مراقبة الناس دائما , لربما تستطيع ان تدعوها هواية.


واحد من الاسباب التي دفعتني الي العمل بمقهي ,و هو انني مولع بالقهوة , و الاخر هو ان اغلب الاشخاص الذين تقابلهم هناك دائما ما يثيرون اهتمامي


فتاة شابة دائما ما تتخذ نفس المقعد وتجلس بمفردها محدقة بالفراغ , رجل في افضل فترات عمره دائما ما يبدل الفتاة الجالسة بجواره ,  العلاقة الفاترة لهذا الثنائي _من كان واقعين في حب بعضهم البعض بقوة لما بزبد عن نصف عام_و غيره.

هذا الامر دائما ما اشعل مخيلتي , وقت لهوي الخاص


في الواقع , انا لم اختلف يوما عن كاموجاوا و الاخرين , فانا _ايضا_ كنت كأي مراهق ذا سبعة عشر عاما
لم ارغب يوما بمعرفة الحقيقة , ببساطة لقد كنت استمتع بالتخبط في خيالاتي.


بمجرد استرخائي  بعد حمام دافئ , تذكرت امر تلك الورقة التي التقطها اليوم


بجسد دافئ توجهت الي الفراش فاضا الورقة , محاولا الا استعجل الامور و اقرأ عنوانها بتريث


"وصفة القتل"

شعرت كأنني اقرأ احد روايات الغموض لواحد من الكتاب المشهورين , لربما لان وقع العنوان أشبه بالرواية.


قصاصة ورق ظهرت فجأة من مذكرة شخصا لا يفارق اسمه شفاه الاخرين _ يوكو تسوكيموري


لقد بدا ان الشائعات المتعلقة بالحياة الشاعرية الزاهية  بيوكو تسوكيموري لا نهاية لها , و مع ذلك ظلت صورتها متماسكة لا تشيبها شائبة حتي الان

يوكو تسوكيموري فتاة لا يمكن ان يوضع بجوارها كلمة قتل

يمكن ان هذا هو سبب الذي اثار فضولي , فالتناقضات مثل هذا الامر هي دائما ما تستولي علي تفكيرك و تجذب قدماك اليها _ سواء كان الامر خيرا ام شرا


لتتصفح عيناي محتويات الورقة بسرعة , و ذهني منشغل بالتفكير بمعني عنوان الورقة,  و كما يشير العنوان  , فيبين النص طرق مختلفة لقتل شخص ما


لقد لاحظت ان اجزاء من النص قد تم مسحها و تعديلها مرارا , ليدل علي ان هذه الوصفة تم مراجعتها عدة مرات

اكاد اجزم بانني اشعر بانفاس كاتب هذا النص الفوضوي تنبع منها و كأنها كائن حي

و من خلال قراءتي لها اكتشفت تشابه الفكرة العامة لكل جزء من هذا النص و الغاية الاساسية منه , وهي القضاء علي الهدف بدون ان تتسخ يداك , لا أدلة لا دوافع

مثل هذا النص , لايمكن ان يكتبه انسان مولع بالقتل - من يقتل فقط للذة الامر

"....أتهدفين أن تصبحي كاتبة في أدب الغموض؟ "

هذه الورقة تشبه تماما ما يقوم به اي كاتب من اعداد افكار لرواية مقبل علي كتابتها ,  مع ذلك يسود عليها طابع لا يمت للكمال او المهنية بصفة

كمثال : عنوان احد طرق القتل المذكورة هنا
" وصفة حادث الطريق المختلق" و قد كانت اقل واحدة تعقيدا.

*في مطلع طريق جبلي

*شتت انتباه السائق بطريقة ما

*أفقده السيطرة علي عجلة القيادة



لقد كانت مكتوبة علي هيئة نقاط مهمة او اضافية مثل " خابر السائق تليفونيا كي تشتته" أو " ضع عائقا علي الطريق "


كما تستطيع ان تري , فنوعية عمل كهذا له الحق بأن يوصف بالمتدني , قد يبدو انها لا زالت في مرحلة تكوين الصورة النهائية للفكرة و لم تنتهي بعد ؟

نعم لقد قامت بتقليص نسبة المخاطرة علي نحو كبير , لكنني غير موقن بنجاح الامر كذلك , فحقا هذه لخطة ضعيفة اذ اردت القضاء علي احدهم حقا

لألقي بوصفة القتل علي مكتبي

لان امالي كانت عالية , باتت خيبة املي اعظم.

و بفضل محتويات وصفة القتل الطفولية , تم قتل فضولي بنجاح

" هذا قد افسد استرخاء ما بعد الحمام تماما"

بعد قليل من التذمر بصوت عال  , مددت يدي متناولا رواية بوليسية من مكتبتي حتي أذهب طعم الوصفة المر

".....لا, انتظر لحظة "

مع ذلك توقفت يدي عن الحركة و أخذت فكرة جديدة تتشكل في ذهني , فكرة اوقدت حماستي

من هو كاتب " وصفة القتل " ؟

انها يوكو تسوكيموري

ماذا لو _فرضا بحتا_كتبت هذه الورقة لرغبتها الجادة في قتل احدهم....؟ , هذه الفرضية الجديدة حولت تلك الورقة الخيالية الي شئ ينتمي الي ارض الواقع

لنضع السبب جانبا , هناك شخص ارادته تسوكيموري ان يموت , و قد قامت بالتخطيط لقتله بالفعل
تسوكيموري هي خليط من الكمال , الجمال , الذكاء و العصرية , و نتاج هذا الخليط يصنع لك "تسوكيموري"

و قد قامت بكتابة خطة قتل طفولية مرارا و تكرارا

" .....الان , ألسنا فاتنين؟ "

اذا اتضح ان هذه الفرضية حقيقة فأعدك بأن اصبح من كبار معجبينك.

لينطلق عنان مخيلتي , سائلا اسئلة جمة  كمن ذاك الذي ترغب تسوكيموري في قتله , ما هي دوافعها و كيف تبدو تسوكيموري الحقيقية , لقد استمريت علي هذا النحو  حتي شرقت الشمس


في الصباح التالي , ذهبت الي المدرسة متأخرا

عند وقت دخولي الي الفصل ,  كان جميع زملائي حاضرين و بالطبع كانت تسوكيموري من ضمنهم

لاسترق نظرات في اتجاهها سرا و انا متوجه الي مقعدي , و قد كانت تقوم بترتيب حاجياتها في درجها , فعل كهذا يبدو طبيعيا لاي شخص
الا أنا

" صباح الخير , تسوكيموري " لاحيها كالمعتاد

لتتوقف عن النظر في منضدتها  و تميل برأسها مستخدمة اصبعها الصغير لابعاد شعرها الرقيق عن عينها قائلة " صباح الخير , نونوميا-كون"

لقد ارتني ابتسامتها الناضجة كالمعتاد

في العادة , كانت محادثتنا دائما ما تنتهي عند هذا الحد , يمكنك القول ان معرفتنا كانت مقتصرة علي تحية في الصباح فحسب

" هل تبحثين عن شئ ما؟ "

لكن في هذا الصباح لم اقم بانهائها عند هذا الحد , لقد كان فضولي يأكلني , لشعوري بكونها تبحث عن "وصفة القتل"

لاحدق فيها بتركيز شديد غير راغب في اهمال اقل تغيير  او رد فعل تقوم به

" لا , ان ارتب حاجياتي فحسب "

لسوء الحظ , لم تتغير ابتسامتها و لو قليلا

" حسنا " قلتها لها و توجهت الي مقعدي مفكرا في أن الواقع دائما ما يكون اقل تشويقا من الخيال

" لكن..." ليأتني صوتها من خلفي فجأة قائلة " و لم تظن بأنني ابحث عن شئ ما ؟ "

تمالكت نفسي كي لا ابتسم

شعور اشبه بالطريدة التي اقتحمت فخي بقدميها , ليبدأ حماسي بالاشتعال مرة اخري لمجرد التفكير باحتمالية ان يتطور الامر لشئ ممتع

" لا , اخشي بانه لا يوجد سبب علي وجه التحديد" لالتف ناحيتها , مرتديا قناع الاحمق " لكن دعيني اوجه لك نفس السؤال ك لم تسالين؟ "

" لا سبب علي وجه الخصوص , ايضا "

"حسنا "


و لا زالت ابتسامتها الناضجة هي الشئ الوحيد الواقف امامي , اجتاحني رغبة عارمة لافساد تلك الابتسامة , لكن لم انوي كشف الستار عن بطاقتي الرابحة بعد , بل سابقيها للنهاية

" لكن ان حدث .." بدأت قائلا " و كنت واقعة في مشكلة ما يوما , فيمكنك دوما طلب المساعدة مني "

" ما الخطب , نونوميا-كون؟ لا اتذكر انك قد كنت يوما بمثل هذه المراعاة يوما"

" صدقيني , انا ارق مما قد تتخيلين "

" استمحيك عذرا , في هذه الحالة سأحرص علي تذكر هذا "

" بالطبع هدفي الرئيسي هو ان اجعل فتاة محبوبة مثلك مدينة لي "

فتضحك تسوكيموري

" شكرا لك , نونوميا-كون ,عندما تواجهني اية مشاكل في المستقبل سأستعين بك بالتاكيد "


لتبتسم تسوكيموري بعينيها اللوزيتين* نصف المفتوحتين

لم يبد الامر و كانها لم تكن تخفي شيئا , مع ذلك انا لن انكر تأثير مخيلتي علي كل شئ

لتنتهي محادثتنا بقدوم المعلم أوكاي الي الفصل

لقد كان مزاجي جيدا في ذلك اليوم , لقد كان كاموجاوا و رفاقه مزعجين كالمعتاد , اذ جاءوا يستجوبونني عما حدث بيني و بين تسوكيموري بعد انتهاء الحصص الصباحية , و مع ذلك لم اخرج صفر اليدين فقد اكتشفت كم هو ممتع و مشوق الحديث مع تسوكيموري

حسنا , انه فقط هضمي لخيالات الليلة الماضية

ومع ذلك فهي افضل من واقع ممل


بدون اي مستجدات , يستمر روتيني اليومي المسالم و تمضي الايام , و قبل ان أدرك الامر كان قد انقضي اسبوعان منذ ان وجدت وصفة القتل

و لعدم وجود ما يحرك مخيلتي من جديد , كدت ان انسي تماما عن وجود وصفة القتل

لرفضي الدائم لأن العب بورقتي الرابحة , اخذت اللعبة بالتباطأ بهدوء و بالكاد توقفت  حتي صرت في موقف مثير للشفقة

و مع ذلك , هناك شئ جديد قد حدث

ربما....اللعبة لم تبدأ حتي الان


ذهبت الي المدرسة كالمعتاد و وقد كان الفصل يعمه الضجيج  , تسوكيموري لم يكن موجود من اثرها الا مقعدا فارغا

لقد كنت في حيرة من امري , لكنني لم انتظر طويلا حتي جاءتني الاجابة

"هاي  نونوميا , أسمعت بما حدث ؟  "
قالها كاموجاوا

" لا اقدر ان اقول نعم "

بالطبع لم يكن لدي فكرة عما يتحدث عنه , فقد افتقدت جملته مفعولا به واضحا­­­­

"لقد مات شخص من عائة تسوكيموري"






لقد شعرت بنبضات قلبي تتزايد

"من " قلتها و انا احاول ان اقمع الحماسة المتزايدة بداخلي

"يبدو بأنه والدها , لقد كان حادث سير , يوكو-سان لها خالص تعازي" اجابت أوسامي بوجه يعلوه الحزن

" حقا , ان تخسر والدك في مثل هذا السن , اني حقا اشعر بالاسي لاجلها " حتي كاموجاوا علي نقيض شخصيته كان يظهر مشاعر الحزن , اعتقد بأن هذا هو رد الفعل الطبيعي في مثل هذه الاحوال

"بالفعل , يجب الا نتركها بمفردها......"

بخلاف الجميع , لقد كنت اضمر مشاعر مختلفة عن الاخرين

يوكو تسوكيموري , حادث سير ,وفاة- كل هذه الخيوط تقودني الي مكان واحد و هو وصفة القتل

بصعوبة , احاول منع تلك الابتسامة من ان تعلو وجهي

لقد بدأت الامور تصبح اكثر تشويقا

__________


*العيون اللوزية : هي شكل عيون اليابانيين و الصينيين

ليست هناك تعليقات