نبيذ و برتقال الجزء الثاني

في اليوم التالي....

لقد كان الجو ماطراً منذ الصباح  ...

لقد كانت مشاعري تجاهها تتأرجح في حالة غير مستقرة , هي ليست بالنقاء الذي يكسبها لقب الحب و لا بالضعف الذي يُحدها بحدود الاهتمام.

هي المرة الأولي في حياتي التي تغمرني فيها المشاعر , لكن إن كان هذا هو الثمن الذي سأدفعه في مقابل اختياراتي فسأقبله بسرور.

لكن بلا شك هي وصفة القتل التي دعست علي مكابح عواطفي .

بالتأكيد لا أكن ضغينة للفتيات المحاطة بالغموض , لكنني سأشعر بالقلق إن كان الأمر يتعلق بشئ يتخطي مفهوم الصالح و الطالح.

القتل يمكن أن يُعد مثالاً علي قولي .

لكن حقيقةً هنالك حل يمكن به تحطيم هذه المتاهة.

 و هو أن أذهب و أسألها مباشرة عن الوصفة.

إن كانت إجابتها بالنفي فحينها سألقي بتلك الأفكار من النافذة ترافقها وصفة القتل و سأتمتع بحياة يومية مشوقة برفقة تسوكيموري بالطبع.

أليس هذا مبرراً كافياً لتبرير تلك المجازفة ؟ طلب المزيد قد يُعد جشعاً فدائماً هناك قشة يمكنها أن تقصم ظهر البعير.




لكن ماذا لو كانت إجابتها " نعم لقد قتلت أحدهم " ؟


لقد راعيت أن محتويات وصفة القتل متشابهة مع ظروف موت والدها , أي شخص حتي و إن لم يتصف بالنزعة التخيلية سيدرك أن تلك الوصفة أُعدت خصيصاً لوالدها.

و فوق كل هذا سيكون الناتج الطبيعي لهذه الطريقة من التفكير هو إعتباره القاتل .

لقد أرسلت نظراتي إلي ما وراء كتفي لأري ما يقبع أمام عيني و أنفي. تلك  الخصلات من الشعر الأسود التي  رسمت ملامحاً رقيقةً أسفلها.

لقد كانت قطرات الماء تبدو و كأنها راكبة لأفعوانة المنتزه و هي تنزلق علي هذا الشعر الأسود قبل أن تصل إلي أخر الطريق و تقفز بعدها إلي الفراغ الرمادي.

لقد توقف قلبي عن النبض حينما قارنت مصيري بمصير هذه القطرات.

يبدو أنها قد لاحظت ما أنظر إليه إذا أمالت برأسها " مه ؟ " و هي تحمل إبتسامة الأخت الحنونة علي شفتيها.

" سأقترب أكثر و إلا أبتللت علي هذا النحو "

و بسرور تشبثت بي كما لو كنا ثنائي متحاب و نتاج طبيعي لهذا لامس صدرها ذا حجم قبضة اليد المنطقة القريبة من كوعي .

الشيطان هو كنهها , لابد و أنها تستمتع بما تفعله.

لكني عاجز عن القيام بشئ حيال هذا , فقد كانت السماء تمطر ولا يوجد غير مظلتي لهذا كانت المسافة بيننا أقرب من المعتاد.

لكنني أشتبه بوجود مظلة قابلة للثني في حقيبتها , لا يمكنني تخيل فتاة مثلها ستنسي جلب مظلتها.

بالطبع هي فناة واحدة من دائرة معارفي التي ينطبق عليها هذه الأوصاف .

يوكو تسوكيموري.

لقد انهينا بالفعل عملنا ذاك اليوم و كنا متجهين نحو المحطة , إيصالها إلي المحطة يومياً بعد العمل بات مهمتي الرسمية بعد اليوم الذي أخبرتنا فيه عن مترصدها المحتمل .

بعد تلك الليلة أخبرتني تسوكيموري  " لقد شعرت بالأمان حينما اوصلتني إلي المنزل , ما رأيك أن ترافقني مجدداً إن لم يكن سيزعجك الامر ؟"

بالطبع لقد رفضت " لا  بسبب" لكن للأسف لقد كنا في حجرة الطاقم و أنا لم أشأ أن أواجه الجموع الغاضبة بقيادة ميراي-سان  " هيااااا"

لم أستطع الهرب إلا بعد إضطراري لمرافقتها إلي المحطة .

مع ذلك يمكن للحياة أن تتخذ منحنيات فجائية و لسعادتي الغامرة هي تتوافق مع رغباتي فلقد كان طريقنا مناسباً من أجل الحديث بحرية.

لقد تريثت إلي اللحظة التي تحولت فيها الإشارات إلي اللون الاحمر ثم " عندما شاهدت الأخبار بالأمس  بدات اتساءل ـــــــــــــ"   لقد بدأت   " لماذا يرتكب الناس جرائم القتل ؟ "

في الواقع أنا لم أشاهد الأخبار كما أخبرتها لكن كما تعلم فلا بد و أنه كان هناك علي الأقل حالة قتل واحدة بالاخذ في الاعتبار حالة المجتمع الحالية .


 " حسناً , يبدو أنك تميل إلي الفلسفة اليوم ؟ ات بـس فأنا معجبة  بتعابير وجهك الجادة  "  لقد كان صوتها و كأنه مبتل لتشعر به كمادة أصابتها الأمطار  " أهو بسبب الأمطار ؟ ألا توافقني أن المرء يتقمص دوراً شاعرياً دائماً عندما تمطر ؟ "

" بالفعل إن لم أكن أتصرف كعادتي اليوم فالسبب هو الأمطار "

لقد أعطتني كلماتها شعوراً بأني لم اختر هذا اليوم مصادفة .

" لكن أتمانعين مشاركتي أفكارك "

لقد كانت موسيقا الخلفية خليط بين صوت المياه المصطدم بالمظلة , و الصوت الصادر من الإطارات المصطدمة بالاسفلت المبلل يرافقهم سريان الدم في عروقي .

"  حسناً ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ"

قامت تسوكيموري بإبعاد الخصلات السوداء التي كانت تلامس وجنتيها مطلقة سراح رائحتها العطرية .

" ــــــــــــــــــــــــــ لربما لرغبتهم في القتل  "





لقد كان صوتها غير مبالي.......


" لرغبتهم في الأمر ؟ هذا كل شئ ؟ أتدعين أن هذا سبب كافي لقتل أحدهم ؟ "

لقد اُهنت بسلوكها هذا.

" لا , هذا ليست ما عنيت "
" إذاً ما قصدك ؟ أخشي أنه إن لم توضحي أكثر ما تقولين حينها لن يتمكن فاني مثلي من فهمك "

" كلا لا تغضب  فأنا حقاً أري هذا ! "


" فقط , أنا أري أنه في أحلك الحالات يمكن للمشكلة أن تُحل دون الأستعانة بالقتل و علي سبيل المثال لديك الضغائن و الغيرة لكن بالطبع ستثتثني جرائم التأمين علي الحياة "


لقد تغيرت لون الإشارة إلي الأخضر ليبدأ معها سيل من المظلا ت في العبور تاركاً خلفه مظلة حمراء يقف أسفلها اثنين يتناجيان هما تسوكيموري و أنا.

" ألا تظن أنه هناك أكثر من طريقة فعالة للأنتقام و تعد أفضل من القتل ؟ "

حالياً أنا لا اعرف شيئاً.

" علي كل مجرم أن يكفر عن ذنوبه بشكل يليق بما اقترف سواء كان بواسطة القانون أو العقوبات المجتمعية , هناك مقولة  " يحيا  بالسيف , يمت بالسيف " و أعتقد أنها تنطبق علي القاتل أيضاً , لكني أظن أنها طريقة غبية و سخيفة  لا أكثر و لا  أقل ,  يمكنك أن تقول أنه نتيجة " سخط " أو " دافع ما " لكن يبدو أنه يمكن تلخيص الامر بمسألة مزاج , مسألة " رغبة بالأمر "  و بالنسبة لي " ثم أردفت " أنا أعتبر كل التصرفات الغير عقلانية مسألة مزاج "

" تماماً كما تقولين , القتل فعلٌ أبله "

أنا أتفق معها تماماً بل يمكنك القول أنها قد أثرت عليّ بكلماتها  لكن لحظات الهدوء هذه لم تبد كما لو كانت ستستمر.

في الوهلة الأولي يشعرك حديثها المفعم بالحجج قوية الأساس أنك تخاطب تلميذة ذات إجابة مثالية تتلوها لكن إذ فكرت ملياً في الأمر فستجدها تتحدث عن الطرق السليمة لبلوغ الهدف بدقة .

بإختصار لقد ناقشت فعالية القتل كوسيلة مجدية .

و ألا يعني هذا  أنه ليس بالضرورة معارضتها لمبدأ القتل ؟

" لكن كما أقريتي بنفسك فهنالك استثناءات ؟ "
من زاوية رؤيتي لا استطيع رؤية شئ عدا فمها بصعوبة .

".... كمثال ؟ "

و فمها ذاك كان يبتسم .

واقفين معاً أسفل مظلة مصتديرة صغيرة يحيط بنا سور من الأمطار و الليل .

و علي الرغم من أن البلدة كان يصدر منها شتي الأصوات و  مرسومة بمختلف الألوان و هي مزدحمة بالناس إلا  أني شعرت بعزلة عن كل شئ و كأننا في مصعد في منتصف الليل .

" مثل أن تقتل دون أن تخلف شيئاً وراءك "

سبب تلك الظاهرة ببساطة هو أنا : لقد طُردت من العالم ! .

في تلك اللحظة كان عالمي مشغولاً بيوكو تسوكيموري و لا شئ غيرها.

" ألا يمكنك أن توضحي أكثر ؟ أخشي أن أفكارك المريبة صعبة الفهم علي شخص نزيه مثلي. "

لقد كانت تستهجن طالبة غغاظتي

" أنا أتحدث عن الجريمة الكاملة كما سيدعوها طرفٌ ثالث إذ ما سميت الجريمة بالحادث "

عندما انهيت تفسيري أجابتني تسوكيموري بتركيز شديد

" ____ بالفعل فيجب علينا الفصل بين الجريمة العشوائية و الجريمة الكاملة و التي يصعب إرتكابها حينما تريد , إذ كنت تأمل الكمال فعليك الحفاظ علي هدوءك و عقلانيتك لأجله . "

لقد كنا نناقش الفاعلية و الجودة وراء الطريقة - الخصال الحميدة لا محل لها هنا .

" لكن أليست شرطة بلادنا ذات صيت دولياً ؟! لقد سعت أن قدرتها علي حل القضايا المعقدة دائمة التطور , لذا بالمقارنة بالماضي أعتقد أن الجريمة الكاملة حالياً صعبة المنال ؟ "

ثم ابتسمت.

الأن علمت سبب ذلك الشعور الغريب الذي يراودني.

إن محادثتنا ليست بالشاعرية التي يتعمق فيها مراهقان يتشبثان ببعضهما البعض تحت مظلة واحدة في الشارع , و مع ذلك ها أنا منغمس فيها لأنها هذه هي طبيعتي .

لا تهمني مسألة موت أو حياة أحدهم لا يمت لي بصلة لربما فقط سيعترني فضول لطريقة موته فحسب , أجل هو فضول فقط .

أنا واعٍ حقاً بما لدي من  مشاعر غير اعتيادية كهذه .

لكن ماذا عنها ؟

هل يعقل ليوكو تسوكيموري النزيه أن تسمح بمحادثة كهذه ؟ بالنسبة لشخصٍ متسامح دائم الابتسام مثلها , أن تتحدث معي دون أن تظهر أي علامات امتعاض لا يُعد مشكلة , حتي و إن اضطرت إخفاء مشاعرها .

لكن لم يبدو لي الامر هكذا .


كيف هذا ؟ حسناً , السبب بسيط و هذا لأنس شعرت أنها مثلي - تستمع بالمحادثات غير اللائقة لأقصي حد .


 حسناً , فلنقل فرضاً- "

لقد تحسست برفق جيبي الأيسر من أعلي , بداخله كان يوجد قصاصة ورقٍ مطوية أربع مرات .



"ـــــــــــــــــــــــــــــــ ماذا ستفعلين إن وجِدت خطة تجعل من الجريمة الكاملة شيئاً حقيقياً ؟ "



دائماً ما كنت أحمل وصفة القتل معي في الارجاء .

في الوهلة التالية زارتني بإبتسامة ذكرتني بصوت الجرس .

" سؤال جيد , لربما سأعتبر الجريمة وسيلة لتحقيق غاية إن استطعت تنفيذ جريمة كاملة ."
قالتها بابتسامة هلالية الشكل خبيثة ثم أستطردت
" من المستحيل أن أقوم بتوثيق فعلٍ كهذا . فمن السخيف حقاً أن تجعل الخطة التي تسمح للجريمة الكاملة بالحدوث أن تفشل . اعتقد أن الخطة لا يجب لها أن تغادر عقل صاحبها . "

ثم أخذت تفكر مهمهة للحظات ثم أكملت قائلة
" ... إن سألتني ثم فكرت ملياً في الأمر ستجد أنه لا يهم سواء كانت خطة أو نتاج مصادفة ففي النهاية هي جريمة كاملة إنْ لم ينتبه أحد لنيتك الجامحة , ألا تظن هذا ؟ "

لقد تبين شئٌ نصب عيني فاق كل توقعاتي و جعلني أظن أن ما أراه هو حلم لا حقيقة.

" إنها النتيجة التي تحدد لك سواء كانت جريمة كاملة أم لا , مهما كانت الجريمة محكمة فهي نهايتك حينما تقع تحت ناظري أحدهم , و مهما كانت الجريمة " سخيفة"  فهي كاملة طالما لا يعلم بامرها احد . "

فجأة لا حظت أني ارتعش .

 " لكن ألا تظن أن الخطأ لا مفر منه إن بات زمام الأمور في يدي بشري ؟ إن البشر دائماً ما يخطؤون فهو البشري غير الكامل الذي يضفي بالخطأ في النهاية لذا أظن أن المنفذ هو المفتاح "

ليس لشعوري بالبرد , و لا لأن الجو صار مريعاً , و بالطبع ليس لأنها تُخيفني.

" و لألخص لك الأمر : ما يقودك إلي الجريمة الكاملة ليست الخطة المثالية أو حي التنفيذ الدقيق بل هو الأنسان الكامل...."

لقد كنت ارتعش من الحماسة , اعتقد أنَ مشاعري قد كانت جياشة للغاية .

لقد ضحكت .

" اليس مثيراً للسخرية ؟! هي فقط نظرية غير قابلة للتنفيذ مكتوبة علي ورق حيث لا وجود للأنسان الكامل , حسناً إنَ من يقوم بالتحقيق في القضايا هم مجرد بشر لذا ستجد اخطاءاً في هذه الناحية أيضاً لكن لا زلت أعتقد أن الجريمة الكاملة مستحيلة إلا إن تعثرت في سلسلة متتالية من المصادفات الناجحة . "
إذاًأليسممكناًأنيقتلتوالدينونومياكُن؟*

ربما هي شخصيتي الملتوية تعبث معي فحسب أم أن هذا هو ما ارادت قوله حقاً ؟

لقد هززت رأسي قوة لأطرد هذه الأفكار .

" لا أظن هذا "

لقد التفت ناحيتها ناظراً إلي عينها اللوزيتين الكبيرتين  " لماذا ؟ " كان سؤالها الذي تفوهت به  و بينما أري صورتي المنعكسة علي حدقيتها أعطتني إبتسامتها الهلالية المميزة .

لقد قلت لها "  لقد كذبتي عليّ , لقد ادعيت ألا وجود لانسان كامل علي البسيطة - لكن دائرة معارفي تحتوي علي واحد منهم "

هي لم تسأل " من ؟ " بل فقط أومأت قائلة " لقد فهمت "

...لقد تمكنت مني . هكذا تكون الأمر أكثر إمتاعاً .

لقد كان خطأ تسوكيموري بالكامل لكوني ثرثاراً علي غير العادة هكذا و لكون قلبي ينبض بسرعة علي غير العادة هكذا.
لماذا هذه المحادثات المشوقة التي أخوضها معها دائماً ممتعة ؟

ربما أنا أشعر بالسعادة من الحديث عن مثل هذه الأشياء - لكن ماذا إن كان محدثي شخص غيرها ؟ أسأكون مستمتعاً هكذا ؟

من ناحية دائماً ما يزعجني سلوكها و من ناحية اخري يبدو أنه هناك لهفة للإختلاط معها مدفونة في قلبي .

إذاً أيهم حتي ما الذي نتناقشه ؟ ألست أبحث فقط عن التشويق الذي لم يتواجد في حياتي اليومية قبل إيجادي لوصفة القتل ؟ أليس هذا هو السبب الذي جعلني _بلا وعي _ أسير في متاهات مبتعداً عن هدفي الرئيسي ؟ .

ألا أخشي الأستيقاظ إلي الواقع المضجر إن واجهتها بحقيقة الورقة ؟

لا يوجد شئ فيما أفعل إلا الفضول و الاهتمام و الرغبة في أن أعرف المزيد عنها .

إذاً كل ما أردته هو مجرد صلة بالكيان المذهل المدعو بيوكو تسوكيموري .


لكنني تحكمت بنفسي , فانا أريد ان أعرف سواء استخدمت وصفة القتل في قتل أباها أم لا .

ــــــــــــــــــ أجل لقد كنت علي وشك القيام بالخطوة التالية نحوها .

لقد كنت تواقاً إلي وجه عنها لا يعلم بحقيقته أحد .

أخذ ضوء إشارة المرور الأخضر في الوميض مجدداً معلناً لنا أن الضوء الأحمر في أنتظارنا .

لم تظهر الأمطار أي دليل علي التوقف و ظل يرتطم بالأسفلت في إيقاع متتاليٍ , جموع الناس المتجهه نحو المحطة قد انخفض عدده و قل كلما قلت درجات الحرارة في البلدة.

لقد قمت بتنظيم تنفسي بحرص حتي لا تري حماسي المتنامي ثم أدلفت أصابعي بين الأزرار وصولاً إلي جيبي الداخلي .

ــــــــ لقد عقدت عزمي , سوف اسألها مباشرة علي الوصفة .

لكن حينها فجأةً احتضنتني تسوكيموري من الأمام , لقد أمسكتني و اصابعي لا زالت في الداخل غير قادر علي إخراجهم.

" ....أنا اشعر بالبرد " تمتمتها تسوكيموري مصحوبة بتنهيدةٍ بيضاء قبل ان يعلو صوتي في دهشة .

لقد كانت نظرتها نحو الأعلي مترقرقة  و شعرها الأسود مبتلٌ و تلك الطريقة التي أمالت بها ناحيتي مثيرة و هذه الشفاه التي بلغت مستوي ذقني تجذبني لتقبيلها.

الشعور الرقيق الذي يمكنني الأحساس به من وراء زيها لازال كما هو و لكنها قد بردت بالفعل.

لقد كان خطأي لجعلها تتحدث في حالتها المبتلة تلك لكنني لم أكن خبيراً في الحب أومجنوناً لأحتضن فتاة في حين تتوجه أنظار البلدة كلها نحونا.

لقد وضعت يديّ علي كتفيها محاولاً التخلص من إحتضانها لي لكنها قد هزت رأسها بقوة قائلة "لا ! " ثم  حضنتني بقوة أكثر و علي نقيض سلوكها الطفولي كان جسدها بالغاً كفاية ليوقظ مشاعر معقدة في ناحيتي.

وحينها شعرت بإهتزاز قادم من ناحية صدرها الذي كان مضغوطاً عليّ .

" ... يا للأسف "

و بينما هي تضع وجهاً آسفاً أخرجت جوالها .

لقد اخرجت يدي من جيبي ثم وضعتها في جيب بنطالي , حماسي قد تم غفساده بسبب هذه المكالمة المفاجئة .

" ... أجل يوكو تتكلم ."

لقد تحولت تعابير وجهها إلي الجدية في اللحظة التي بدات فيها المحادثة .

"....أمي ؟ لا لم أسمع شيئاً , لقد كانت بالمنزل عندما غادرت المنزل هذا الصباح "

لقد اخذت تعابيرها في الخفوت و الشحوب كلما طالت المكالمة , لم استطع تخيل ما كان يقوله المتصل لكن يبدو و أنه ليس بالأخبار السارة .

" ... أجل أنا أفهم , سأعود في الحال , إن وجدت شيئاً سأكلمك في الحال "

ثم قطعت المكالمة مطلقة عنان تنهيدة مرهقة .

" ما الخطب ؟! "
لقد سألتها .

ثم حدقت فيني للحظات بعينيها المترقرقة مترددة.

" ... لقد كانت أمي متغيبة عن مدرسة الطبخ التي تعمل فيها بلا أي سابق إنذار ." لقد أجابتني أخيراً " من المستحيل أن تقوم بهذا لذا أحد الطاقم الذي كان يشعر بالقلق عليها قام بإبلاغي . "

" لربما هي مريضة؟ "

لقد تفوهت بكلمات مواساة يائسة .

" انا أتساءل ....لقد أخبرني أنه قد حاول مكالمة المنزل مرات كثيرة و مكالمتها علي هاتفها لكنها لم ترد لذا لجأ إليّ _ ابنتها_..."

لقد توقفت عن الحديث لتفكراً و هي ضاغطةٌ حاجبيها .

لقد تنهدت , بطريقة ما شعرت أن لا شئ سيأتينا إلا المشاكل .

" لنسرع إلي المنزل "

لقد أمسكت بيدها الباردة بإحكام جاذباً إياها خلفي نحو المحطة .

" ...إيه ؟ "

لقد سمعت صوتها المرتبك القادم من الخلف.

" يبدو أنك في ورطة ما لذا لن أعيقك و سأذهب إلي المنزل "  ثم أردفت مسرعاً  " ــــــ قول هذا قد يلائمني أكثر , علي ما أعتقد ... لكن رؤيتك بهذا الشكل ...كيف لي أن أتركك بمفردك ؟ بالاضافة أنا لا أرغب حتي في التفكير في شكل ميراي-سان إنْ علمت أني تركتك الأن ؟ "


و لحديثي السمج ردت " جانبك الملتوي هذا رائع حقاً "

لقد سمعت صوتها الفرح القادم من الخلف .

لقد ظننت أنها تغيظني و حسب لذا كنت اُفكر في رد مناسب إلي أن همست في أذني قائلة " ..شكراً " ثم شعرت بالأصابع الباردة و هي تحكم نفسها حول يدي , لاصبح غير قادر علي الشكوي.









لا يوجد روح حية واحدة يمكن لك أن تجدها في تلك المنطقة السكنية المعتمة الباردة , تلك الأمطار التي لا نهاية لها قد أستحضرت جو من العزلة في داخلي , لكن تسوكيموري كانت بجانبي.

لقد أسرعنا نقطع  درجات السُلم  الطويلة التي ينتظرنا في نهايتها ذاك المنزلـــــــــــــ بتصميمه الهندسي الفريد الذي جعله يبرز من بين المنازل الفارهة المجاورة .

لقد حاولت تسوكيموري الاتصال بالمنزل ثم هاتف والدتها العديد من المرات لكن الصوت الوحيد الذي جاءها من الناحية الاخري هو صوت آلة الردود , أعتقد أنني لم أسمع شيئاً من تعليقاتها في طريقنا إلي المنزل , لقد كانت متوترة .

لا أفكار تراودني إلا و كانت مثيرة للشفقة , للآسف بحثت عن كلمات تواسيها لكني فشلت .

لقد تبعت تسوكيموري من خلال المدخل نحو الصمت التام الذي يسيطر علي الأجواء.

لقد كانت نهاية الرواق الطويل مختلطة بالظلام مما جعلني أظن أننا ضللنا الطريق في منزل مسكون بالشياطين.

بعدما خلعت حذائي عند الباب قالت " ... سوف تُصاب بالرد هكذا , ساحضر لك منشفة . "

بيما هي تتقدم برشاقة في الرواق المظلم قامت تسوكيموري بتحريك بعض أزرار الكهرباء سامحة للمنزل بالأمتلاء بالضوء تدريجياً. ببطء سارت في الرواق المضئ نحو حجرة المعيشة حيث انتظرتها هناك.

لقد تاملت ترتيب الأشياء في  المنزل الذي لم يتغير منذ المرة السابقة , هذا الهدوء قد جعل أذناي حساستين , و بالنظر إلي ما سبق فقد كنا بمفردنا آنذاك.

لذا من المحتمل اننا بمفردنا هذه المرة أيضاً ..

لا وجود لاحد اخر هنا و هو ما اخبرني به حدسي منذ وطئت قدماي المنزل .

حسناً من المحتمل أن والدتها قد انهارت في إحدي الغرف لكن ما قالته تسوكيموري عندما جاءت  "  عندما ذهبت لجلب المنشفة , اختلست النظر في بعض الغرف لكنني لم اجدها , يبدو انها ليست في المنزل ..."

" آمل فقط أنها لم تنخرط في حادث ما ...."

لقد ابتسمت لتسوكيموري المتأملة .

" لكن أتعلمين ربما الأمر ليس بهذه الضخامة و أنها فقط لم ترد الذهاب للعمل بسبب الامطار . "

" أتعني أنها تغيبت عن العمل ببساطة ؟ "

" حسناً أنا علي سبيل المثال دائماً ما أفكر بجدية في التهرب من المدرسة أو العمل ثم الذهاب إلي مكان ما بدراجتي إذ كان جو اليوم رائع . "

لقد وجدت أن ملحوظتي التي قلتها مثيرة للسخرية.

" آمل هذا "

لكن بفضل إبتسامتها الواهنة أُنقذت من تأنيب الضمير .

" لربما هناك رسالة تركتها لكِ في مكان ما ؟ مذكرة تقول فيها إلي أين ذهبت أو ماذا تفعل ؟ "

" أنت محق , سألقي نظرة . "

اومأت تسوكيموري بحفاوة رداً علي إقتراحي , من الواضح انها قد استعادت رشدها المعتاد . بلا وعيٍ تبعتها نحو المطبخ .

و مثلما شعرت بالسوء من إستغلال قلقها علي والدتها فبالتأكيد لن أسمح بفرصة كهذه لتفتيش منزلها بأن تذهب سدى .

لم يملئ ما حولي إلا نظام طبخ أنيق ذا خلفية صفراء .

" كما هو متوقع من معلمة طبخ . " لقد كان تعقيبي علي الثلاجة و أدوات الطبخ الغريبة و باقي المكونات .

" صُنع في ايطاليا إن لم تخني الذاكرة . "

ريثما كانت تتفحص المطبخ تناولت احد كُتب والدتها أُقلب فيه حيث أني لم اجد شيئاً لأفعله .

حقيقةً لم أكن أتوقع أن أجد رسالة و قد يكون رائعاً إن وجدت واحدها , شخصياً تمنيت لو وجدت شيئاً ذا صلة بوصفة القتل أكثر .

مثل ـــــ معلوماتٍ جديدةٍ عن الوصفة .
لقد كنت واعٍ من كوني أتصرف بحمق , لكني و بصدق كنت منجذباً إلي مثل هذه الاجواء , لقد أستمتعت بتشويق شبيه بمحقق ما أو باحث في مغارة ذات كنوز .

" يبدو أن لا شئ هنا , ماذا عن حجرتها ...؟ " قالتها تسوكيموري عابسةً ثم غادرت المطبخ و أنا أتبعها صامتاً .

لقد فتحتْ احد ابواب الرواق الجانبية و بمجرد أن فعلت هذا امكنني ان اشتم رائحة العطر الذكية تداعب انفي .

لقد كانت جدران الحجرة مغطاة بورق حائط أبيض و كان بها ستائر مزينة بأشرطة زينة و منضدة زينة تتكأ علي الحائط ذات مرآة كبيرة بها الكثير من مستحضرات التجميل , هذه بلا شك هي حجرة الأم .

" يبدو أنَ علاقتك بوالدتك جيدة ؟ "

" اجل , اعتقد أنها ليست بالسيئة . "

و بجوار السريرعلي الكومود ذا نقش الزهور كان يوجد عليه الكثير من الإطارات التي تحتوي علي صور يوكو مع والدتها . 

" أكان والداكِ ينامان منفصلين ؟ " 

لم يكن في هذه الحجرة إلا سرير واحد ــــــ سرير لفرد واحد .

" دائماً ما ظننت أنه أمر طبيعي , هل العادة أن ينام الزوجان معاً ؟ حسناً أعتقد أنه كذلك و أنهم ينامان منفصلين بسبب عملهم , و أعتقد ان هذا الوضع اكثر فاعلية نسبةً لهذه الظروف . "

" في منزلي ينام الوالدان معاً سواء كانا متفقين ام لا فأنا لا اعرف , في سرير ضخم ملكي و لكن بالحكم من جملة " دائماً ما توقظني في منصف الليل لانك تسحب البطانية بعيداً عني "  التي تقولها امي فأظن انَ الأمور علي ما يرام .  "

و بينما كانت تستمع إليّ , أظهرت تسوكيوري إبتسامة دافئة علي شفتيها .

" لديك والدان رائعان . "

و لهذا اجبت بهدوء  " هما طبيعيان فحسب . "

" أنا لا اريد أن ابقي طويلاً في حجرة سيدة " قلتها ثم اسرعت نحو الرواق , ببساطة لقد كنت متضايقاً من رائحة العطر النفاذة تلك .

ثم سألت تسوكيموري التي كانت تبحث حول منضدة الزينة  " اين اجد حجرة والدك ؟ " 

لا يمكنني أن أنكر نواياي الخبيثة .

" يمكنك إيجادها في الناحية المقابلة " 

و لا استطيع أيضاً أن أنكر كونها حجة لتفحص حجرته بمفردي . 


" يجب علينا أن نبحث متفرقين , سأنظر في حجرة والدك . "

لكن هي حقيقة كوني راغب في فعل شئ مفيد و هو علي نقيض شخصيتي , و مساعدتها قليلاً خاصةً بعد رؤيتها في هذه الحالة .

" سيكون هذا ذا فائدة كبيرة لكنك قد تجد حجرته مهملة قليلاً فقد تُركت كما هي بعدما توفي ...."  قالتها تسوكيموري بآسي .

" أنا لا أمانع " قلتها ثم أتجهت نحو الباب .

إنطباعي الاول عنها هو أنها بدت كالمكتبة .

جميع الكتب التي شغلت جداراً كاملاً من جدرانها كانت تتكلم عن التشييد و هو ما لاحظته بعدما رأيت عناوينها , و علي المكتب  الفضي اللامع كانت توجد كومة من الكتب بلأضافة إلي حاسب شخصي و علي كلا الجانبين كان يوجد هاتفٌ لاسلكي , لقد أدركت أن هذه الحجرة هي مكتبته الخاصة و منطقة عمله .

و كما حذرتني تسوكيموري فقد تركت أقدامي آثاراً علي الارض التي ملأتها الاتربة , لقد كان يوجد الكثير من الاتربة علي النافذة أيضاً و فجاة أوقفت نفسي فقد كنت أسمع صوتاً .

طبقاً لتسوكيموري فهذه الحجرة لم تُلمس من بعد وفاة الوالد , لكن هذا الصوت الذي يشبه طنين البعوض .

لقد كان صوت مروحة صغيرة .

لقد وقفت أمام المكتب الفضي , يبدو أن الحاسوب يعمل لكنه في وضع النوم لذا قمت بالضغط علي زر عشوائي .


" ـــــــــ تسوكيموري . "

في اللحظة التي رأيت فيها المعروض ناديت اسمها .

ثم جاءت من الحجرة المجاورة ناظرة لي بعينين شبه مغلقتين " مم؟ "

" هذا " قلتها مشيراً إلي شاشة الحاسوب .

لقد تركت والدتها ملحوظة تحوي رسالة بالفعل .

" هذا ..." تمتمتها تسوكيموري متفاجئة و هي تحدق في الشاشة و كأنما الوقت قد توقف في حجرة صامتة من كل شئ عدا صوت الأمطار المرتطم بالنافذة و صوت طنين مروحة الحاسوب .

في ذلك الوقت لم يكن في وسعي شئ أقوم به إلا مشاهدة وجهها الحزين من جانبها .

اسم والدتها كان مكتوباً في برنامج المذكرات مع رسالة قصيرة جداً و هي 


<< أنا آسفة >>

في ذلك اليوم لم أذهب إلي المنزل إلا في الساعة الثالثة في إحدي سيارات الشرطة .




__________________



* : هي مكتوبة هكذا فهي ليست كلاماً أو افكار بل ما يظن نونوميا انه فهمه من كلامها ...ظن أنها تخبره بغموض
إذاً أليس ممكناً اني قتلت والدي نونوميا-كُن ؟






ليست هناك تعليقات